الفن المعاصر لغة التفاهم

كيف تقارنين الفنون في المملكة العربية السعودية مع الفنون في المملكة المتحدة وأوروبا والعالم بشكل أوسع؟ تعد هذه أول زيارة لي إلى المملكة العربية السعودية، معرفتي السابقة كانت لا تتعدى ما رأيت في المشاريع الدولية مثل مشروع «ادج أوف اريبيا » والعروض في بينالي البندقية. جودة مارأيت من الأعمال الفنية تضاهي جودة الأعمال الدولية. في حين أن السياق السياسي الإجتماعي المحدد يختلف كثيراً عما كنت أتوقعه ودهشت عند زيارتي للإستديو بالأمس ومن رؤية الفنانين المحليين في جدة. لدينا عوامل مشتركة أكثر مما نتصور، فنحن متشابهون في اختيار المواضيع، وطريقنا برواية القصص لنفهم العالم من حولنا، واكتشاف هويتنا، ومخاوفنا المستقبلية ، وما يرسم الأمل لدينا. رأيت كل هذه المواضيع في أعمال وأفكار الفنانين الذين زرتهم. عملتي مع الفنون المعاصرة في مركز بالتيك، ما هو رأيك بفوائدها؟ الإبداع أمر أساسي بالنسبة لنا كبشر. تعد منظماتنا الإبداعية والثقافية نقاط اتصال في العالم فهي أماكنٌ يمكن أن ينتج فيها الفن ، والأفكار ، وتسمح للناس بالاتصال والتفاعل وقيادة الحوار. أؤمن بقوة بالدور التحولي الذي يمكن أن يقوم به الفن في مجتمعنا. و دور مركز بالتيك هو تقوية العلاقة بين مجتمعاتنا، وبين الفنانين والمجتمع. أشعر بالحماس تجاه الدور الذي يمكن أن يلعبه الفن المعاصر في تمكين التفاهم مع مجتمعنا. هل تعتقدين أن جمهور الفن في السعودية سينمو ليصل إلى الاعتراف الدولي؟ إن تطوير جمهور قوي ومدرك للفن المعاصر يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين. يبدأ ذلك بكلٍ من إشراك ودعم مواهب الشباب على الصعيد المحلي، وتقديم فنانون جدد وأفكار جديدة على الصعيد الدولي. بالتأكيد إن المعرفة بالفن السعودي المعاصر تتزايد بين فئات المجتمع الفني حول العالم. هل يمكنك تسمية أمثلة أو حملات محددة استخدم فيها الفن للتعامل والتواصل مع مجموعات لم يكن من الممكن الوصول إليها سابقاً؟ وما نتيجة ذلك؟ طوّرت مشروع يمتد لثلاث سنوات يسمى "مشروع الميل الواحد"، وذلك عندما كنت مديرة للمعرض الجماعي في أدنبره. لقد عملنا لمدة 3 سنوات على تكليف الفنانين لتقديم أعمال ذات اهتمام مشترك مع مجموعة من المجتمعات المتنوعة التي عاشت أو عملت أو زارت وسط مدينة أدنبره. وقد أثر هذا المشروع بشكل مباشر على المؤسسات العامة والمؤسسات الثقافية الأخرى. وطوّرت بعد ذلك هذا النهج عندما عملت بمنصب مديرة لمركز ترامواي الدولي للفنون في غلاسكو، حيث قمنا بتطوير مشروع "ألبرت درايف" الذي ساهم مرة أخرى بإخراج الفنانين من المؤسسة وتعاون مع المجتمعات التي عاشت وعملت في شوارع المدينة. كان هذا المشروع مميزاً لأنه ساعدنا على بناء علاقات جديدة داخل ذلك المجتمع. ركزت المؤسسة في السابق على الدائرة الدولية، ولم يمكّن هذا النهج الفنانين من توسيع نطاق ممارستهم فقط، بل ببناء علاقات جديدة وثقة في المجال المدني.كما نعمل في الوقت الحالي على توسيع هذا النهج في رؤيتنا لمركز بالتيك، واستكشاف التأثير الاجتماعي والدور المدني لمؤسستنا. كيف ترين المعارض الحالية التي تركز على بناء وجمع المجتمعات ذات التأثير على المجتمع المحلي والدولي؟ لطالما كنت مهتمة بالمنظور الدولي وبكيفية التعلم من الأفكار وتقاسمها، ولكن هذا لا يعني شيئاً بالنسبة للمؤسسة إذا لم تبني هذا النهج الطابع المحلي. يمثل النهج الذي اتبعه لمركز بالتيك قيادة منظمة دولية بطابع محلي، في كل من المشهد الفني المحلي والمكونات المتنوعة التي تشكل مجتمعنا. تشغل النساء مناصب قيادية في العديد من المعارض والمجموعات الفنية، مثل فريق «جماعي معاصر .» كيف تجدين المرأة القيادية في مجال الإبداع؟ وهل واجهت أي مشاكل في مجال الفن نظراً لكونك امرأة؟ نحتاج المزيد من النساء في هذا المجال. عندما كنت شابه وبدأت حياتي المهنية، كان عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب رفيعة في عالم الفن قليل جداً. وبوصفنا نساء قياديات، فإننا نتحمل مسؤولية كبيرة لفتح الأبواب خلفنا ، والتوجيه ، والتدريب للجيل القادم من قادة الثقافة و قيمي المعارض و الفنانين. تشكل النساء غالبية خريجي التخصصات الفنية في جامعات المملكة المتحدة، ولكن يصبح عددهن أقل بكثير في المعارض التجارية أو على الساحة الدولية، إلا أن الأمور تتغير باستمرار. فكلما زاد عدد النساء والتنوع الذي نديره في مساحاتنا الثقافية، كلما ازداد عدد الجماهير والفنانين المتنوعين. عند تفكيرين في التحضير للمعارض وترتيب القطع الفنية داخلها، هل تعتقدين أن التركيز على جمهور الشباب سيعطي تأثير أكثر إيجابية؟ أعتقد أن التعامل مع الشباب أمر مهم جداً، ونحن نحمل مسؤولية توجيه ودعم أجيال جديدة من الشباب للعمل كفنانين و قيمين معارض في مجالات اعمالنا. سوف يهتم الجمهور بزيارة معرضك إذا شعروا بإرتباطه بواقعهم و كان له طابع محلي ذا صلة. سيشارك الشباب بالفن المعاصر إذا وجدوا أهمية لذلك في حياتهم الخاصة، ونحن نتحمل جزء من هذه المسؤولية باعتبارنا مؤسسات مسؤولة عن تحديد وإيجاد تلك الأهمية. هل كان جذب جمهور الشباب إلى مركز بالتيك صعباً؟ وكيف تمكنتِ من الوصول إلى المجتمع؟ لطالما حظي مركز بالتيك بتفاعل وتواصل قويين جداً مع الشباب، سواء من خلال برامج التعليم ، وزيارة المعارض ، و إنتاج الأعمال الفنية. نعمل حاليا مع كل من المراحل المتوسطة والثانوية في منطقتنا المحلية، و% 87 من المدارس الإبتدائية في المنطقة. ونقدم الدعم بعد برامج المدارس للشباب الراغبين في متابعة ممارستهم الإبداعية مع التعليم الرسمي، وذلك من خلال برنامج "آرت مكس"، حيث يحصل الشباب على فرصة الوصول إلى استوديو والمشاركة في معارض مهمة. خلال العام الماضي استطعنا تمكين أكثر من 150 ألف مشاركة للأطفال والشباب عبر المحادثات وحلقات العمل والجلسات التدريبية والجولات. هل زرتِ أي معارض فنية في المملكة العربية السعودية؟ ما رأيك بالساحه الفنية و الفرص المتوفرة بالنسبه للفن في المملكة ؟ لقد تمكنت من زيارة معرضاً واحداً منذ لحظة وصولي بالأمس إلى السعودية. زرت معرض «لكنك لست وحدك » في جاليري أثر، حيث قمت بجولة رائعه مع رنين بخاري ومريم بلال. أعتقد أنهما اختارتا وقدمتا مجموعة قوية ومميزة من الأعمال الفنية بطريقة مقنعة جداً تربطنا عن بإنسانيتنا المشتركة مع سائر الفريق. أعتقد أن هذه التجربة مثيرة حقاً، فهي تحمل لكم شغف حقيقي عند سماع قصص رحلاتهن وتجاربهن لافتتاح المعرض. وهذا أمرٌ مبشر للمستقبل.